مصدر من الزاوية البودشيشية لـ"الصحيفة": الرعاية الملكية لم تُسحب، لكنها لم تُمنح هذه السنة.. ومستقبل الزاوية يواجه أصعب امتحان منذ عقود

 مصدر من الزاوية البودشيشية لـ"الصحيفة": الرعاية الملكية لم تُسحب، لكنها لم تُمنح هذه السنة.. ومستقبل الزاوية يواجه أصعب امتحان منذ عقود
الصحيفة - خولة اجعيفري
الجمعة 29 غشت 2025 - 22:12

 قال مصدر مسؤول من داخل الزاوية القادرية البودشيشية لـ "الصحيفة"، إن ما أثير بشأن سحب "الرعاية السامية" عن الملتقى العالمي للتصوف الذي دأبت الطريقة على تنظيمه كل سنة "غير دقيق"، وفق توصيفه، مشددا على أن "الرعاية  الملكية" لم تُسحب، لكنها ببساطة لم تُمنح هذه السنة والفرق "جوهري بين الأمرين" بحيث أن "غيابها لا يجب أن يُقرأ كقرار عقابي أو كرسالة سياسية، بل يدخل في سياق معقد يطبع الوضع الداخلي للزاوية منذ وفاة شيخها جمال الدين القادري بودشيش".

وأوضح المصدر في حديثه الذي خص به "الصحيفة"، أن ما تم تداوله حول الأمر "مبالغ فيه"، مشددا على أن "الرعاية الملكية" لم تكن يوما مجرد تفويض بروتوكولي، بل كانت إشارة رمزية عميقة على الثقة في الدور الذي تلعبه الزاوية كبوابة من بوابات التصوف المغربي وواجهة للدبلوماسية الروحية" مضيفا: "لكن منحها أو عدم منحها لا ينبغي أن يُختزل في صراع الأشخاص، أو أن يُفهم كاصطفاف المؤسسة الملكية مع طرف دون آخر، خاصة في ظرفية دقيقة تمر منها الزاوية حيث تعدد الآراء واختلاف المقاربات".

المصدر ذاته وصف ما يجري داخل الزاوية بأنه "صراع أجيال وتيارات"، قائلا: "القيادة الجديدة التي ستتولى بعد الشيخ جمال الدين ما تزال في طور بناء شرعيتها وتثبيت موقعها، وهناك من يراها أشبه بـ"الدري الصغير" الذي يحتاج إلى وقت ونضج وخبرة لتسيير مؤسسة لها هذا الثقل الرمزي والروحي".

وبخصوص مصير الملتقى، أشار المصدر إلى أن "التحضيرات كانت تسير بشكل عادي حتى ساعات قليلة قبل الموعد، وكان الجميع ينتظر أن يُعقد كما كل سنة، لكن في اللحظة الأخيرة تقرر عدم تنظيمه، وهذا حدث استثنائي غير مسبوق في تاريخ الزاوية، باستثناء فترة جائحة كورونا حين عُقد الملتقى عن بعد أما هذه المرة، فهو الإلغاء الأول من نوعه في ظرف عادي، ويكشف بوضوح عمق الأزمة التي تعيشها الطريقة".

ولفت المصدر أيضاً إلى أن "المولد الذي كان يُعتبر من الطقوس الراسخة للزاوية من المرجح ألا يُنظم بدوره، وهو ما يُعزز الإحساس بوجود فراغ داخلي وانقسام يؤثر بشكل مباشر على صورة الزاوية ووحدتها".

واعتبر المتحدث، أن "الزاوية التي عُرفت لعقود باستقرارها وانتظامها في تنظيم الملتقى والاحتفال بالمناسبات الكبرى، تعيش اليوم وضعا غير مسبوق، حيث الخلافات الداخلية ألقت بظلالها على نشاطها الروحي والمؤسساتي".

ومن منظور أشمل، يرى متابعون أن غياب الملتقى هذه السنة لا يُقرأ فقط في سياق الزاوية نفسها، بل في صورة التصوف المغربي ككل فالطريقة البودشيشية لطالما لعبت دور الواجهة الأساسية للدبلوماسية الروحية التي اعتمدها المغرب خاصة في إفريقيا، حيث شكّل الملتقى العالمي للتصوف بمداغ منصة سنوية لجذب مئات الضيوف من قارات عدة، وإبراز النموذج المغربي في التصوف القائم على الوسطية والاعتدال وغياب هذا الملتقى هاته السنة يترك فراغا يصعب تعويضه، في وقت تتصاعد فيه رهانات المغرب على القوة الناعمة الدينية لمواجهة تيارات متطرفة أو منافسات مذهبية.

المصدر أشار أيضا إلى أن: "الرعاية لم تُسحب، لكنها لم تُمنح هذه السنة بسبب الظروف الداخلية، والقضية ليست في البروتوكول، بل في مستقبل الزاوية نفسها.. نحن أمام مؤسسة تواجه أصعب امتحان منذ عقود، امتحان القدرة على إعادة ترتيب البيت الداخلي، وحسم صراع الأجيال، واستعادة دورها الطبيعي في خدمة التصوف المغربي والدبلوماسية الروحية للمملكة".

ومنذ وفاة الشيخ جمال الدين القادري بودشيش في يناير 2022، دخلت الزاوية في مرحلة دقيقة اتسمت بغياب شخصية جامعة بحجم الراحل، الذي كان يُعتبر حجر الزاوية في الحفاظ على وحدة الصف الداخلي وضبط التوازنات بين الفروع والمنتسبين.

 وبعد رحيله، برزت خلافات عائلية بين أبنائه حول مسألة الخلافة وقيادة الطريقة، حيث طُرحت تساؤلات حول أحقية الجيل الجديد في القيادة وقدرته على مواصلة الإرث الروحي والتنظيمي، وهذه الخلافات سرعان ما انعكست على الأنشطة الكبرى للزاوية، حيث باتت التحضيرات تتم في أجواء من التوتر والاصطفافات، وبرزت انتقادات لأسلوب إدارة المرحلة الانتقالية.

واليوم، مع غياب الملتقى والمولد معا لأول مرة خارج سياق ظرف استثنائي كجائحة كورونا، تبدو الزاوية وكأنها أمام لحظة مفصلية في تاريخها، فإما أن تنجح في تجاوز خلافاتها الداخلية وإعادة إنتاج وحدتها وصورتها كمرجعية روحية صلبة للمغرب وللعالم الإسلامي، أو تستمر حالة الانقسام التي ستؤدي حتما إلى تراجع تأثيرها وإضعاف حضور التصوف المغربي كأداة من أدوات القوة الناعمة للمملكة.

ما يجب قوله للإسبان في مدريد؟

في الوقت الذي تعقد فيه الحكومة الإسبانية ونظيرتها المغربية، اليوم الخميس، بمدريد الدورة الثالثة عشرة من الاجتماع الرفيع المستوى، مع ما يعكس ذلك من تطور كبير في العلاقات الثنائية بين ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...